مقدمة بقلم شربل بعيني

   ولد أخي وصديقي ورفيق دربي الأدبي الاستاذ أكرم برجس المغوّش في مدينة السويداء، جبل العرب، الجمهورية العربية السورية، في بيت معروف وأسرة كريمة متعلمة، وعائلة مشهود لها وبها بالتضحية والاستشهاد والبطولة.
   والده الاستاذ المرحوم برجس خليل المغوّش، أحد وجهاء وأعيان محافظة السويداء وجبل العرب الاشم، شاعر ومؤرخ ورئيس ديوان المحكمة الشرعية والاستئنافية لبني معروف في سورية، ومركزها السويداء، وقد لا أبالغ اذا قلت أن صورته ما زالت ماثلة أمامي، وصوته ما زال يرن في أذني، فلقد ترك، رحمه الله، أثراً جميلاً في قلبي عندما زارني تلك الزيارة التاريخية في بيتي مع ابنه أكرم، وراح يعظني كوالد حنون، لذلك لم أتمالك نفسي عن البكاء عندما وصلني خبر وفاته عام 1995، فرثيته قائلاً:
ـ1ـ
بَرْجِس الِمْغَوّشْ وَدَّعْنا
وْقَلْلاَّ لأُمّ عْيالُو: جايِي
اشْتَقْتِلِّكْ، فِضْيُوا مْدامِعْنا
عْلَيْكِي.. يا نجْمِه مْضُوايِه.
وْسِيدْني هَـ الْـ كانِتْ تِجْمَعْنا
وْتِفْرَح بِالطَّلِّه الِمْرايِه
زَرْعِتْ صَوْتُو بِمْسامِعْنا
وْرَسْمِتْ بِالْعِينَيْن حْكايِه
ـ2ـ
يا بَرْجِسْنا.. أَكْرَمْ حاني
لِلأَرْض.. وْجارِرْ هَـ الْغُرْبِه
النَّاس اصْطَفُّوا.. يْعَزُّوا.. لْساني
تا يُوصفْ هَـ الْمَشْهَدْ.. صَعْبِه
انْهَزّ الْمَهْجَرْ.. صَفَّى دْيانِه
وِحْدِه.. وِالْـ وَحَّدْها رَبِّي
حِبَّيْتَكْ.. حُبَّكْ خَلاَّنِي
إِضْوِي الْحَرْف بْعَتْمِةْ دَرْبِي
كِنْت الْبَيّ اللِّي وَصَّانِي
إِحْمل هَمّ النَّاس بْقَلْبي
ـ3ـ
سْوَيْدا الْعِزِّه.. تاكي راسَا
وْراسَا ما بْيِتْكِي لْمَخْلُوقْ
وْسُورِيَّا قَطْعِتْ أَنْفاسَا
شَعْبَا بِوْداعَكْ مَخْنُوقْ
وِالأَطْرَشْ.. شِعْلِةْ نبْراسَا
بْقَبْرُو مْنَرْفَزْ، صَعب يْرُوقْ
كِنْت رْفِيقُو، رِفْقَه قْياسَا
كَوْن بْسكَّانُو مَعْجُوقْ
بَرْجِسْ.. يا لَمْعِةْ إِلْماسَا
الأُمِّه الْـ إِخْدِتْ مِنَّكْ نُورا
شَلْحِتْ عَ الْجُثْمان زْهُورَا
وْطوْيِتْ أَمْجادَا بْصنْدُوقْ
   أما والدة أكرم التي ذكرتها في مطلع القصيدة، فهي المربية المعروفة الاستاذة المرحومة خيزران كرباج المغوّش، التي أهدت الكون عائلة تقدّس انسانية الانسان، وحقّه بالعيش الكريم.
   شقيقات أكرم الست فيحملن شهادات جامعية ودور معلمات ويعملن في حقل اختصاصهن بحقل التعليم، وهن متزوجات من قادة عسكريين واكاديميين، أما شقيقه القائد العسكري الشهيد البطل كمال برجس المغوش، فلقد كان مع أكرم رجلا العائلة الوحيدين وقبلتها في الوطن والمهجر.
   مارس أكرم العمل الصحفي بحرفية واتقان، فلقد عمل مديراً للتحرير مع عميد الصحافة المرحوم الاستاذ بطرس عنداري منذ تأسيس النهار لاكثر من ٢٤ سنة، حتى انتقال ملكيتها لغيره، وفي نفس الوقت كان يعمل في جميع الصحف والمجلات العربية في الوطن والمهجر، على مدى ٣٥ عاماً كمحرر ومندوب ومدير مكتب وعلاقات عامة بمجلة ليلى، النجوم، الأنوار، الهيرالد، كلمات، النهضة، صوت المغترب، البيرق، المستقبل، العالم العربي، الديار، البيان، صدى لبنان، الشرق. ومجلات القدس، الوفاق، الدبور، والفراشة، الابزورفر ـ سيدني، الدنيا الجديدة ـ مصر. مجلة وجريدة الثقافة السورية وغيرها الكثير، ناهيك عن المواقع الالكترونية العديدة، والاذاعات العربية: تو اي اي، إس بي إس، الشرق الاوسط، والإذاعة العربية ٢٠٠٠ اف ام .
   كما كتب العديد من المقالات التاريخية عن القائد سلطان باشا الاطرش، تناقلتها الاذاعات والوسائل الاعلامية نظراً لأهميتها. الى أن حط الرحال في مؤسسة الغربة الاعلامية كمدير للعلاقات العامة.
وقد يكون أكثر الاعلاميين العرب في الوطن والمهجر من ناحية اجراء المقابلات الصحفية مع كبار النجوم العرب، لدرجة أنه يحتفظ بمخزون من الصور التاريخية النادرة التي التقطها مع هؤلاء النجوم، وعلى رأسهم السيدة فيروز، عمر الشريف، وديع الصافي، صباح، دريد لحام، سميرة توفيق، سميرة سعيد، ملحم بركات، انطوان كرباج، عادل امام، فاروق الفيشاوي. والشعراء مظفر النواب، عصام حداد، محمد الشرفي، هنري زغيب، نديم نعيمة ابن شقيق ميخائيل نعيمة، طليع حمدان،عادل خداج، زين شعيب، موسى زغيب، جوزيف الهاشم ـ زغلول الدامور، وغيرهم وغيرهم.
باختصار لقد التقى بجميع النجوم والشعراء والادباء والاعلامين والقادة الروحيين والسياسيين ولديه ارشيف كبير، ولهذا وصفته: بخزان معلومات قل نظيره. وقال عنه المرحوم بطرس عنداري: الزميل أكرم برجس المغوش مختار الجالية العربية باستراليا ومؤرخ الحقبة التاريخية عن ابطال الموحدين الدورز، ابطال العرب.
   أما الشاعر جاد الحاج فلقد كتب في مجلة الدستور: الزميل أكرم برجس المغوش ابن جبل بني معروف الابطال السويداء، لولب الحركة الثقافية، ولا تسقط شعرة من رأس أحد الا والزميل العزيز أكرم برجس المغوش يعرف من اين سقطت، وانت في استراليا يفتح قلبه لك للوهلة ويساعدك وكأنك تعرفه منذ زمن بعيد. وكتب عنه الاديب نعمان حرب: الناشط الاعلامي والوطني أكرم برجس المغوّش هو جسر التواصل بيننا وبين ادباء العروبة في استراليا، وهو خير خلف لخير عائلة عظيمة وطنية ومتعلمة مبدأ الاخلاق والاستشاد من اجل الوطن.
   كما كتب الاديب المحامي سعيد ابو الحسن عضو اتحاد الكتاب العرب ورئيسه في محافظة السويداء: الاستاذ الإعلامي الغالي أكرم برجس المغوّش ابن اخي المناضل الشهم الاستاذ ابو كمال برجس خليل المغوّش سليل الابطال والمجاهدين الاحرار النشامى.
   ولهذا كرمّه السانتور شوكت مسلماني مدير شؤون المعارضة في المجلس التشريعي في برلمان ولاية نيو ساوث ويلز لنشاطه الاعلامي المميز، كونه أول وأسرع وأفضل من كتب خبراً اخبارياً، يحتوي على أسماء قد لا يحفظها إلا من كان اسمه أكرم برجس المغوّش.
   بالاضافة الى هذا التكريم نال العديد من الشهادات والجوائز التقديرية أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: شهادة تقدير من منظمة اليونسيف العالمية، درع اللجنة الأولمبية، جائزة الشاعر شربل بعيني، شهادة تقديرية من النائب ووزير التعليم الدكتور جهاد علي ذيب في برلمان الولاية ـ سيدني.
   كما كان من مؤسسي رابطة احياء التراث العربي واول امين سر لها، ومسؤول اعلام الرابطة العربية السورية، ومسؤول اعلام اللجنة الأولمبية السورية اثناء الدورة العالمية في سيدني، ومسؤول العلاقات العامة والإعلام وامين السر لرابطة الموحدين الدروز بني معروف، وامين سر المنتدى الثقافي العربي الاسترالي، الى ما هنالك من نشاطات قد لا تحصى.
   قد يكون أكرم أحد أكثر الذين كتبوا عني ورافقوا مسيرتي الادبية في غربتي هذه، وما المقالات المدرجة في هذا الكتاب سوى قطرة صغيرة من بحر مقالاته الكثيرة عني، لذلك كنت أداعبه ببعض المقالات المرحة، وإليكم آخر ما كتبت عنه:
   وصلتني رسالة إلكترونية من الاعلامي الصديق أكرم برجس المغوّش طيّرت النوم من عينيّ، وجعلتني أخضع لفحوصات طبية لها أول وليس لها آخر. والرسالة تقول:
   اخي الحبيب استاذ شربل الغالي..
   انت بالطليعة وفيك مسحة قداسة، وقد جاء اسمك على مسمى، متقاربا ً مع القديس العظيم شربل، مباركا ً ذكره، حفظك الله، واطال بعمرك، واعماركم جميعا ً اخوة أعزاء، ورحم الله الاهل والحبيب مرسال.
اطيب السلام..
   اقول لك ذلك من كل قلبي لانني في كل يوم اكتشف فيك الأشياء الاجمل، وليلة امس شاهدتك بمنامي الى جانب السيد المسيح والنور يشع منك. وعلى الفور استيقظت الساعة الرابعة الا ربع صباحاً، بعد ان رأيت النور في غرفتي، ولم أعد الى النوم، وانا بغاية السرور.
   مبارك اخي الحبيب شربل من الله والسيد المسيح وأمه العذراء العظيمة والقديس العظيم شربل، ولو كان بإمكاني تصوير ما شاهدت لعملت أعجوبة، وما زلت بغاية سروري وبهجتي اخي الحبيب شربل، انت مبارك من الله، اطيب التحيات والسلام.
   الى هنا انتهت الرسالة ليبدأ وجع الرأس، والتكهنات المخيفة التي لا نهاية لها.
ـ اذا كان أكرم قد بصرني بنومه الى جانب السيد المسيح، فهذا يعني أن نهايتي قد قربت. أكيد سأموت.
   ورحت أتصل بأفراد عائلتي، فرداً فرداً، وأسمعهم أجمل كلمات الوداع، واطلب منهم أن يترحّموا علي، ويسامحوني اذا أخطأت بحقهم.
   وما كنت أسمع منهم سوى جملة واحدة تقول:
ـ أكيد جنيت..
   أما الأطباء الاخصائيين الذين زرتهم فلا حصر لهم، فلقد كنت أتنقّل كالمجنون من عيادة طبيب القلب، الى عيادة اخصائي السرطان، الى مختبر فحص الدم، وكانت النتائج تأتي سليمة، وكان الكل يربّت على كتفي ويقول:
ـ أنت كالحصان.. ستعيش مئة سنة.
   وما كنت أصدقهم، وكيف أصدّقهم، وأخي أكرم المغوّش شاهدني برفقة السيد المسيح، الذي جاء ليأخذني من عالم الفناء الى عالم البقاء.
   والعجيب بالأمر، أن معظم الذين أخبرتهم عن الحلم الذي شاهده أكرم، هزّوا رؤوسهم تعجباً وصاحوا:
ـ درزي! ويظهر عليه السيد المسيح الذي لم يظهر علينا نحن المسيحيين، هناك ألف سين وجيم يا شربل.
   وعندما أخبرتهم بعجائب مار شربل الكثيرة مع إخواننا الدروز، لفّهم الصمت وبانت على وجوههم علامات التعجّب والخوف.
   إذن، أنا بخطر، وبما أن الأطباء لم يجدوا بجسمي مرضاً، قررت أن لا أركب السيارة، ولا الطائرة، وأن لا أمشي على أرصفة الطرقات، وأن لا أستقبل غريباً لوحدي مخافة اغتيالي.
   وأخيراً، قررت أن أنام باكراً، علني أحلم أن أخي أكرم برفقة القديس شربل، كي أتخلص منه ومن أحلامه ورسائله المخيفة.
   يقول أكرم، أنه بغاية البهجة والسرور لأنه شاهدني برفقة السيد المسيح، فهذا يعني أن لا خطر عليّ، وإلا لاسودت الدنيا في عينيه نظراً للصداقة القوية التي تربطني به.
إطمئنوا.. أنا بخير.
   أما المقال الذي نشرته جريدة النهار في العدد 566، 19 تشرين الثاني 1987 فلقد انتشر بسرعة النار في غابات أستراليا الكثيفة خلال فصل الصيف وحرارته القاتلة، وما زال أخي أكرم حتى يومنا هذا يعيد نشره على صفحته الفايس بوكية، وتتناقله مواقع الكترونية عديدة:
   منذ عدة أيام، جاءني الزميل أكرم المغوّش، وشرارات الغضب تتطاير من عينيه، فخفت منه للوهلة الأولى، ولكنني، وبسبب معرفتي الحميمة به، تجرأت وسألته:
ـ ما بك يا أكرم؟
فتطلّع بي ملياً وقال:
ـ الجالية بدأت تتعبني..
ـ كيف؟
ـ ليس بإمكان أحد أن يرضيها.
ـ ألهذا أنت زعلان؟
ـ ما هذا؟!.. ألا يوجد غيري في الواجهة؟
ـ أخبرني.. ماذا حصل؟
ـ لأنّي كتبت عن المطرب راغب علامة.. قالوا: راغب درزي!
ـ بسيطة..
ـ ولأني كتبت عن احسان منذر.. قالوا: إحسان درزي!
ـ ولا يهمك..
ـ كيف ولا يهمني؟.. بحياتك لا تكهربني.
ـ طيب.. راغب وإحسان ليسا من الدروز.. أليس كذلك؟
ـ ولكن فيهم شرش درزي..
ـ يعني دروز..
ـ قلت لك: لا تكهربني..
ـ هات.. أكمل..
ـ قالوا: أكرم لا يكتب إلا عن شخصيات درزية.
ـ لأنك درزي أصيل..
ـ يا أخي، أنا أكتب عن الجميع.. أنا لست طائفياً، ولا يمكنني أن أكون طائفياً، لماذا؟ لأنني لا أدري، بعد موتي، إلى أية طائفة سأنتسب. بعد التقمص قد أصبح "مارونياً"، جائز والله. ولمعلوماتك.. البارحة أجريت مقابلة مع فؤاد نمّور.
ـ لا تقل لي انهم قالوا عن فؤاد نمّور درزي.
ـ لا.. قالوا عنك أنت..
ـ أنا؟!!
ـ عندما اتهموني بالكتابة عن الدروز، ذكرت اسمك أنت..
ـ وماذا قلت؟
ـ قلت لهم: كي تتأكدوا انني غير متعصّب، أكثر انسان كتبت عنه كان شربل بعيني.
ـ عظيم..
ـ بلا عظيم بلا بلّوط.. آه لو تدري ماذا قالوا.
ـ وماذا قالوا؟
ـ قالوا: شربل بعيني درزي ونصف..
ـ قل لهم: اسمه شربل.. ولا أحد يسمّي أطفاله بهذا الاسم سوى الموارنة.
ـ يا أخي.. قلت لهم: اسمك شربل..
ـ عال..
ـ قالوا: قد يكون أهله الدروز نذروه من مار شربل!
هنا، انفجرت ضاحكاً ورحت أردد:
يا أكرم مش حرزانه
نرجع نخلق من تاني
رح اعمل درزي ع شرط
تعمل انت "موراني".
   وفي نهاية مقدمتي هذه، لا يسعني إلا أن أرفع قبعتي للاستاذ الاعلامي أكرم برجس المغوّش، لأنه كان لي أخاً، وصديقاً، ورفيقاً، ومشجعاً، فلقد رفع من قدري الأدبي  طوال رحلتي مع القلم، فلولاه لما كرمني السفير الدكتور لطيف ابو الحسن في السفارة اللبنانية، ولولاه لما كتب عني الأديب نعمان حرب كتابه الرائع: شربل بعيني شاعر العصر في المغتربات، ولا ظهر كتاب الأديب محمد زهير الباشا: شربل بعيني ملاح يبحث عن الله، ولا ديوان الشاعر مفيد نبزو: شربل بعيني شاعر أمتي، فلقد كان صلة الوصل بيني وبين كل هؤلاء الكبار، الى أن منّ علي "بترنيمة حبه" هذه، ليرفعني أكثر فأكثر كما يرفع جبل العرب، مسقط رأسه، كل من سكنه وتنعّم بهوائه النقي.
   أخي أكرم هناك عبارة واحدة أحب أن أهمسها في أذنيك: شكراً يا صديقي.
**