مقدمة كتاب شربل بعيني شاعر العصر في المغتربات

   علم 1993، وعلى الصفحة الأولى من مجلة الثقافة السورية، أعلن الأديب السوري نعمان حرب أن شربل بعيني هو شاعر العصر في المغتربات، دون أن يخاف لومة لائم، أو مقصّ ناقد. ولماذا يخاف وهو أحد أهم الأدباء السوريين، وناشر سلسلة "قبسات من الأدب المهجري"، التي سلطت الأضواء على العديد من الشعراء والأدباء في كافة المغتربات.
   وكان، رحمه الله، يمنّي النفس بإصدار "قبسة" عن شربل بعيني، وقد ذكر هذا في معظم رسائله، وأعلن عنها في الصفحة الأخيرة من الكتاب الذي أصدره عن الشاعر جورج شدياق من فنزويلا، ولكن ظروفاً قاهرة حالت دون ذلك.
   صحيح أن الكتاب الذي كان يعده مع الأديب السوري الكبير محمد زهير الباشا قد رأى النور عام 1988 تحت عنوان: شربل بعيني ملاّح يبحث عن الله، ولكن اسمه لم يذكر فيه كمؤلف، وهذا يعني أن الباشا هو من ألفه، ونال عليه تكريماً تاريخياً رائعاً ما زالت أصداؤه تتردد على ألسنتنا جميعاً.
   في أحد مقالاتي بجريدة "الهيرالد"، ذكرت أنني مزمع على تنفيذ رغبة صديق العائلة ابن السويداء وجبل العرب الأشم فقيدنا الأديب نعمان حرب، وأنني سأقوم بمهمة أصدار الجزء 11 من سلسلة "قبسات من الأدب المهجري" عن شربل بعيني نيابة عنه، ولكن أنّى لي ذلك، وكل ما لديّ بعض مقالات كان قد نشرها في "الثقافة" السورية، لا تكفي فصلاً يتيماً في الكتاب.
   هناك أمل واحد فقط، ألا وهو رسائله الكثيرة لشربل، فاتصلت بشاعر العصر، وطلبت منه السماح لي بالاطلاع على رسائل نعمان، فوافق دون تردد، شرط أن أحذف منها أشياء خاصة، كان يطلعه عليها ناشر القبسات. فأحسست أن باب الفرج قد فتح أمامي على مصراعيه.
   ولكي أعرف كيف يبني نعمان حجارة قبساته، رحت أراجعها كلها، فوجدتها تحتوي على مقدمة لأديب يختاره، يتبعها "بتمهيد" له، ثم ينشر قصائد الشاعر في معظم الصفحات.
   كتابي هذا سيكون مختلفاً تماماً، إذ أن نعمان حرب هو من كتبه من الغلاف الى الغلاف، باستثناء مقدمتي، أما قصائد الشاعر شربل بعيني التي تغنّى بها نعمان فلا داعي لنشرها إذ أن بإمكانكم قراءتها، هي وغيرها، عبر الانترنت بمجرد وضع اسم "شربل بعيني" في محرك البحث "غوغل".
   هناك شيء هام أحب أن أخبركم عنه، وهو أنني تركت جميع الأسماء التي ذكرها نعمان حرب دون أن أحذف اسماً واحداً منها، كما كان يحلو للبعض أن يفعل، خاصة عندما يمر اسمي أمامه، فأكون بذلك قد أعطيت درساً أخلاقياً في حفظ التاريخ دون تشويه او حقد. هكذا كان وهكذا يجب أن تراه العين، وتتنعّم به الأجيال.
   في احدى رسائله عام 1986، ذكر نعمان انني كنت "واسطة خير" بينه وبين شربل، ولولاي لما تعرّف الأدب المقيم على الأدب الاغترابي كما ترون الآن، ولولا كرم شربل بعيني الحاتمي الذي كان يدفع أجور البريد الباهظة في أستراليا وفي سوريا أيضاً من أجل أن يتمّ التلقّح الأدبي على أكمل وجه، لما خصصت "الثقافة السورية" مئات الصفحات لنشر أدبنا والتحدث عنه.. وهذا ما لمّح إليه نعمان في فقرات كثيرة، طالبني شربل بحذفها، ولم أبقِ منها إلا تلميحات قليلة.
   كما أنني متّنت هذا التواصل الأدبي والاعلامي والانساني عندما كنت سكرتيراً لرابطة إحياء التراث العربي في أستراليا، واستلمت نيابة عن نعمان جائزة جبران خليل جبران العالمية التي منحته اياها الرابطة عام 1987، إضافة الى شربل بعيني وانجال عون ود. سمر العطّار. وقد قام بتسليم الجوائز، يومذاك، سعادة سفير لبنان الدكتور لطيف أبو الحسن.
   والجدير بالذكر أن شربل بعيني هو من أوجد وصمّم جائزة جبران التي ما زالت تمنح حتى الآن، وأعطاها العصر الذهبي.
   وها أنا أطلعكم على فقرات من رسالة بعثها لي نعمان بتاريخ 6/12/1987، لتدركوا صحة ما أقول:
   "عزيزي أكرم، حفظك الله..
   كنت أخبرتك في رسالة سابقة، بأن أنباء المؤتمر السادس لدراسات الشرق الأوسط سوف تنشر، وفي بريد هذه الرسالة تجد "الثقافة" قد صدّرت الرسالة باسمك، وعلى صفحتها الأولى، ومثل هذا النشر لا يتيّسر إلا لكبار الكتّاب، وللمواضيع الهامة، وموضوع المؤتمر مهم، لاسيما وانه جرى في سبيل القضايا العربية، لذلك وضع في المقدمة.
   كما انه يهمني ويهم "المجلة" نشر كل ما يدور في أستراليا من ندوات أدبية وعربية ووطنية، فلا تبخل علي بقصاصات "النهار" الغراء وغيرها، وان الذين يهتمون بخدمة الادب والفكر، أمثالكم، لا يحسبون حساب النفقات مهما بلغت. وفي العدد الذي سبق نشرت مقال الكاتب الكبير جان بشارة في الصفحة الاولى، وهو من جملة المواضيع التي بعثت الي بها في السابق مشكوراً، وسوف أراجع بقية المواد المرسلة من قبلك في الماضي، ومواضيعها عامة لا تتأثّر بالزمن.
   وأعلمك بأنني أنجزت دراستي في كتاب ضخم يقارب الـ 500 صفحة عن الدكتور عبداللطيف اليونس ـ الارجنتين، وأعلنت في نهايته بأن هناك مؤلف سيصدر عن الشاعر شربل بعيني، وسأحققه ان شاء الله، لأنني أشعر بحب عميق للأخ شربل، وبعاطفة حميمية تشدني إليه".
     ولمن لا يعرف من هو نعمان حرب أقول:
ـ ولد في قرية المجيمر(السويداء) عام 1917.
ـ لم يتمكن من متابعة دراسته الثانوية لأسباب مادية. اذ لم يكن في السويداء الا الدراسة الاعدادية.
ـ عين معلماً ابتدائياً في ملاك التربية بالسويداء عام 1938، ومديراً لمدرستي سهوة الخضر وميماس. ثم نقل إلى ديوان محافظة السويداء برتبة منشئ رئيسي عام 1940. ثم نقل الى العدلية بالسويداء وتقاعد من الوظيفة عام 1967 برتبة رئيس دائرة.
ـ أصدر وشقيقه المرحوم نجيب حرب جريدة (الجبل) منذ عام 1942 حتى عام 1959. وشارك بالتحرير الدكتور امين حرب والاستاذ سلمان جابر ومجموعة من ادباء الجبل الكبار.
قام بجولة عام 1979 في فنزويلا والبرازيل والتقى أدباءهما وأقام معهم صلات ودية وحصل على نتاجهم الأدبي.
ـ عضو جمعية البحوث والدراسات.
ـ رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بالسويداء.
ـ أصدر مجموعة كتيبات بعنوان "ابطال منسيون".
ـ أسماء بعض مؤلفاته الأدبية منشورة على الغلاف.
   فإليك يا نعمان حرب، يا صديق والدي الغالي برجس المغوّش الذي أتيت على ذكره مراراً في رسائلك، أهدي هذا الكتاب، وأنا على يقين تام من أنك راضٍ عنه، وأنك في عليائك تشاركنا فرحة اصداره ورقياً وإلكترونياً، كيف لا، وقد تمكنا بعونه تعالى من حفظ رسائلك من الضياع في غربة لا ترحم.
مقدمة كتاب "شربل بعيني شاعر العصر في المغتربات" 2014
**