لقاء مع الشاعر شربل بعيني في جريدة الثقافة

ـ أدبنا المهجري يعيش احلى أيامه.
 ـ لا شيء يدعوني الى التفاؤل ونحن نتذابح ونتحارب ونتلذذ كالقرود بلعق دمائنا.
 ـ السجل الذهبي للأديب نعمان حرب إعتبره أهم مصدر أدبي في العام ١٩٨٧.
    تجيء كلمات الشاعر الصادق مع نفسه ومع الآخرين كالرصاصة التي تخرج من بيت النار لتصيب الهدف. لان الشاعر الواقعي يجسد الحقيقه بشعره في الأفراح والأتراح والمناسبات القومية والوطنية والاجتماعية.
   واحد من هؤلاء الشعراء المهجريين هو الاستاذ شربل بعيني الاديب والشاعر والكاتب والمخرج والمؤلف المسرحي الذي ملأ الزمن الاسترالي بقصائده الجياشة التي تحكي تاريخ الإباء العربي والإنساني بصورة شمولية.
   كثيرون هم الذين كتبوا عن الشاعر بعيني نقداً ومديحا ً ولكن بقي الشاعر كالوردة الندية المتفتحة دائما ً في ربيع دائم.
   وآخر دواوينه الشعرية وليس الاخير كان ديوانه (كيف أينعت السنابل) الذي قدمته الدكتورة الاكاديمية الاديبة المعروفة الاستاذة سمر العطار باحلى الكلمات وأسمى المعاني حيث وصفت بمقدمتها معاناة الشعراء والادباء في وطننا العربي الكبير عن الاضطهاد الذي لاقوه ويلاقونه جراء كلماتهم وقصائدهم الحرة التي لا يبخرون فيها لتجار الدماء واصحاب كراسي الزندقة والكفر بالإنسان والوطن.
    كما وكتبت الراهبة الاديبة ارنستين خوري على غلاف الديوان (شربل بعيني هو رائد من رواد الشعر الحديث).
    ولنتعرف أكثر على ديوانه الجديد وأنشطته الأدبية والثقافية وهو حركة دائمة لا تهدأ كان لنا هذا الحوار الذي أجراه الزميل أكرم برجس المغوَش لصالح جريدة النهار العربية الاستراليه ومجلة وجريدة الثقافة السورية:
س: ديوانكم الجديد (كيف أينعت السنابل) كتبت مقدمته الدكتورة المفكرة سمر العطار بشكل سيرة ذاتية عن شخصك الكريم دون التطرق الى قصائد الديوان مثلما درجت عليه العادة في المقدمات.. فما تفسيركم لذلك؟
ج: بداية أشكرك اخي أكرم على مرافقتك لي والحركة الأدبية في استراليا ورفدها الى راعي الادب المهجري الاستاذ الكبير نعمان حرب الذي تشرَفنا بمعرفته عن طريقك ونشاطك وانت الاعلامي الصادق وسكرتير رابطة احياء التراث العربي واحد مؤسيسها.
    وعودة لسؤالك، أولا ً: الدكتورة الاكاديمية الاديبة الكبيرة سمر العطار تكره الروتين والسير على طرقات أدبية تآكلتها مع الزمن نعال أدبائنا . لذلك فاجأت القراء مشكورة بسيرة الشاعر الذاتية بأسلوب شيق على حد تعبير الاديب العربي السوري الكبير ابن السويداء الاستاذ نعمان حرب. لتكشف لهم عن العوامل الاجتماعية التي أدت الى كتابة مثل هذه القصائد.
   ثانيا ً: هناك العديد من ابناء الجاليات الإثنية المختلفة يكتبون سيرتهم الذاتية ومعاناتهم في غربتهم وتشرف الحكومة على إصدارها، باستثناء الجالية العربية التي تفتقر في استراليا العظيمة الى هذا النوع من الادب الحي الملتصق التصاقا ً حميما ً في حياة الانسان عبر التاريخ.
س: لماذا انت على عداوة مثلا ً مع أوزان الخليل الشعرية؟
ج: أنا لست على عداوة معها، فلقد كتبت بها العديد من القصائد، ولكنني لا استسيغها خاصة وان القارىء لم يعد يتقبلها كما كان في اوائل هذا القرن، لهذا نرى ان معظم الشعراء (المقروئين) قد أشاحوا بوجههم عنها. ناهيك ما للغربة من تأثير على الشاعر، فجميع الذين هاجروا أو بالأحرى أُجبروا على ترك أوطانهم ساروا عكس التيار الأدبي بغية إثبات وجودهم ولفت أنظار أولئك المنفوخين أدبيا ً المتربعين على كراسي غرورهم والمتجاهلين كليا ً لكل ما يسمى (بأدب المهاجر).
س: ولكن هناك من يعتني بأدب المهجر ويقدم التضحيات الجسام؟
ج : تقصد الأستاذ الاديب نعمان حرب. أسمع يا أخي: نعمان حرب مع حفظ الألقاب هو مثلنا تماماً، يسير بعكس التيار، ولو لم يكن غريبا ً في وطنه لما فكر بإصدار (قبسات من الادب المجري) التي توّجها أخيراً بسجل ذهبي عن أدبائنا في البرازيل وفنزويلا وغيرهم، واعتبره أهم إصدار في العام ١٩٨٧.
    كما لا يسعني الا ان اذكر وبكثير من الامتنان نشاط الاستاذ مدحة عكاش ناشر ورئيس تحرير مجلة الثقافة السورية باصداريها الأسبوعي والشهري في هذا السبيل ايضاً، والتي يحرر بها ادباء كبار مثل نعمان حرب ومحمد زهير الباشا ورفاقهم الكرام، واكرر شكري لكم اخي أكرم على تفاعلكم وتواصلكم الثقافي والأدبي والاجتماعي بمد جسور التواصل الحضاري مع هؤلاء الكبار، فلقد وعدني العملاق الغالي محمد زهير الباشا بإصدار دراسة عن أدبي بعنوان (شربل بعيني ملاح يبحث عن الله)، كما وعدني العملاق الثاني نعمان حرب بضمي الى قبساته الأدبية تحت عنوان (شربل بعيني شاعر العصر في المغتربات).
   كما وإنني احيي الثقافة السورية التي شرّعت ابوابها لاحتضان ادباء المهجر حيث قال ناشرها الاستاذ مدحة عكاش في ديوانه يا ليل:
 يطول ليلي من شوقي فأحسبني
كأن ليلي لا يرجى له أمدُ
   وكأنه بذلك يصور حالة كل إنسان مغترب يترقب ساعة الرجوع بفارغ الصبر.
س: قصائد كثيرة فيها جرأة وصراحة تدل على قوة دون اكتراث وخوف الا من الله والحق والضمير وهذا هو الشاعر والاديب الحقيقي بنظرنا ونظر كل حر شريف. وقصيدتك (لعنة الله علينا) أحدثت موجة من السخط لدى البعض..
ج: .. وموجة من الارتياح لدى البعض.
س: هناك من يقول أن اللعنة لا تجوز..
ج: تجوز.. تجوز.. فنحن الان "كتينة" مترامية الأطراف، توقف عندها "الاتحاد" ليسد جوعه، فوجدها عقيمة فارغة لا تحمل ثمرا ً، فلعنها كما لعن السيد المسيح "تينته"
س: وهل ينطبق برأيك هذا القول على الجميع؟
ج: أجل.. فقياداتنا  مثلا ً التي بها وثقنا ولمنجزاتها هللنا، نراها وفي طرفة عين تنقلب على بعضها البعض وتبدأ بالتصفيات، ويبدأ ضياعنا من جديد والعمل على إيجاد البديل.
هذه الأشياء لا يمكن ان تبشر بالخير، وهي بالطبع تدمي قلوبنا.
س: الا تعتقد بانك متشائم جداً؟
ج: وهل انت متفائل .. صدقني ان قصة (برج بابل) التوراة سيتناساها التاريخ، متى دوّنت قصة (برج بابلنا).
 لا.. لا شيء يدعوني الى التفاؤل ونحن نتذابح ونتحارب ونتلذذ كالقرود بلعق دمائنا.
س: كيف تقيم الآن أدبنا المهجري؟
ج: أدبنا المهجري والحمد لله يعيش احلى أيامه لدرجة اصبحنا معها نشكو من كثرة الندوات الأدبية. وهل انت غريب اخي أكرم عن هذه النشاطات الأدبية وانت لولبها؟
آه كم هو جميل ومريح ان يشكو المرء من كثرة الندوات الأدبية.
س: لقد شاركتهم بنشاطات معرض الكتاب العربي في استراليا، الذي دعا اليه التجمع الثقافي اللبناني فما تقييمكم لهذا المعرض؟
ج: جيد جدا ً ونحن بحاجة ماسة الى مثله كل عام تقريباً لاننا نطلع من خلاله على آخر ما جادت به عقول مفكرينا وادبائنا وشعرائنا في أوطاننا الام.
س: دعتك رابطة احياء التراث العربي للمشاركة بتكريم أمير الشعراء المغفور له احمد شوقي فهل لك ان تطلع القراء على بعض مقاطع من القصيدة التي ستلقيها بالندوة التكريمية؟
ج: بدلا ً من ان اطلع القراء على بعض المقاطع أحب ان ادعوهم جميعا ً لحضور تلك الندوة والتلذذ بكلمات وقصائد سيلقيها على مسامعهم نخبة من ادباء الجالية العربية البارزين وهكذا نضرب عدة عصافير بحجر واحد.
  (مقاطعاً) تقصد استاذ شربل بوردة وورود؟
 ضاحكا ً ... اكيد .. اكيد اخي أكرم وانا سلاحي الكلمة المعطرة بمحبة الناس كل الناس.
س: وما هي نشاطاتك الأدبية المستقبلة؟
ج: كما سبق وذكرت سأشترك في ٥ تموز القادم بندوة حول أمير الشعراء احمد شوقي، كما وانتهيت من إعداد وإخراج مسرحية (فصول من الحرب اللبنانية (التي سيتشترك بتمثيلها ما يزيد على ٣٠٠ طالب وطالبة من تلاميذي في مدرسة سيدة لبنان / هاريس بارك / سيدني والتي ستعرض في ٣ تموز القادم عند الساعة السابعة والنصف في قاعة كنيسة سيدة لبنان.
س: اكيد المسرحية عن الوضع المأساوي في لبنان؟
ج: نعم عن آلام الشعب اللبناني بجميع فئاته دون فرق بين هذا وذاك ولان خلاص الوطن هو الغاية في النهاية.
 س: ولماذا فصول من (الحرب) في استراليا ومع الأطفال بالذات؟
ج : انها مشاركة بسيطة في المعاناة من فلذات أكبادنا في مدرسة سيدة لبنان، فلقد أراد هؤلاء الأطفال الذين تتفاعل في قلوبهم الصغيرة محبة اوطانهم، أن يدلوا بدلوهم ويقولوا كلمتهم بصوت واحد أوقفوا الحرب في مسقط راس اهلنا، لاننا بشر واهل، والله محبة.. وهم اي الأطفال خير من قالها لان الانسانية لا تتحزأ كما المحبة.
س: يقال وهذا ما لمسناه حقاً ان مدرسة راهبات العائلة المقدسة المارونيات في هاريس بارك تضم أطفالا ً من جميع الطوائف والأديان والمذاهب؟
ج: أجل.. لان راهبات العائلة المقدسة المارونيات بقيادة الراهبة الرئيسة الجليلة كونستانس الباشا يعملن لخير البشرية جمعاء، فالانسان عندهن ابن الله تعالى، خلقه على صورته ومثاله، بغض النظر عن تشعبّات الطريق التي سيسلكها للقاء الوالد العظيم.
س: لنعد للسنابل اي ديوانك (كيف أينعت السنابل)، هل هي المرة الاولى التي يزين بها دواوينك صديقنا الفنان ميشال رزق بلوحاته المعبرة الجميلةً؟
ج: كلا.. فلقد سبق وإهداني مجموعة رسوم لديواني (رباعيات) الطبعة الثانية .
س: هناك من يقول بان لغتك الشعرية بسيطة وفايشةً؟ ج: (فايشة؟!) .. بربك بلغّهم بأنني سأظل افوش وافوش وافوش لانني ارفض الغرق مثلهم.
 ثم انني أكتب ليفهم الجميع.. فما نفعي لو كتبت شعر )الأحجيات) وشعبي يتألم في غربته، ووطنه الام يحترق؟!.
 لا.. لن ألجأ الى (التورية) ونحن نذبح  جهارة كل يوم. فالشاعر الذي لا يقدر معايشة زمانه والأزمنة التي تليه لغة وفكراً وجب عليه الاستعفاء من الخدمة والتنازل عن تعويض خدمته وتوزيعه على من يستحقه.
 س: مع نهاية هذه المقابلة الصحفية الشاملة ماذا يود الشاعر الاديب الناقد والكاتب والمؤلف والمخرج المسرحي قوله؟
ج : شكراً جزيلا ً استاذ أكرم على ما تفضلت به وانا أحيّيك على نشاطك المميز، وما أودّ قوله وتكراره دائما ً هو ان نحب بعضنا البعض ونعمل يدا ً واحدة وصفا ً واحدا ً من اجل محاربة تجار الدم والطائفية البغيضة، وأقزام الحرتقات السياسية المبتذلة الذين يحدون من طموحاتنا وتحقيق أحلامنا وأحلام أجيالنا الصاعدة ان كان في هذه البلاد الاسترالية المضيافة العظيمة المتعددة الحضارات والثقافات او في أوطاننا الام .
النهار ـ العدد ٥٤٥ ـ ٢٥ / ٦ / ١٩٨٧
جريدة الثقافة السورية 1987
**